السبت، 24 مارس 2018

               البهرة والهجرة الثالثة




١٧مارس٢٠١٦



د/ مجيد جميل ثابت




       يعاني أبناء طائفة البهرة في عدن كغيرهم من السكان من حالة الفلتان الأمني المستفحل في كافة مديريات المحافظة.


      ازدادت هذه المعاناة مؤخراً عندما قام البعض من الجماعات والعصابات المارقة بعملية اختطافات ممنهجة، للكثير من أفراد هذه الطائفة، بغرض الابتزاز المالي، حيث وجد هؤلاء في البهرة دجاجة تبيض ذهباً، فأمعنوا في خطف الأبرياء منهم لمجرد أن الواحد منهم يمتلك محلاً تجارياً!! متناسين ومتغافلين حقيقة الأوضاع الاقتصادية البائسة التي مر ويمر بها تجار عدن ومنهم بالتأكيد البهرة.


       لقد دفعت عمليات الاختطاف هذه- وكما أخبرني أحدهم- أن يقوم أبناء البهرة ببيع سياراتهم وذهب نسائهم لدفع الفدية عن مختطَفيهم والتي تكون عادةبالملايين!! ثم تسببت مؤخراً في هجرة الغالبية من أبناء هذه الطائفة من عدن إلى أماكن أخرى داخل الوطن وخارجه يأمنون بها على أنفسهم!!


     إنني هنا وفي هذه العجالة التاريخية أناشد قيادة محافظة عدن و القيادة الأمنيةفيها، توفير الحماية اللازمة لأسر البهرة وغيرهم  من المستضعفين والمسالمين من سكان عدن، وبما يكفل عودتهم الآمنة إليها؛ حيث إن هؤلاء هم جزء من نسيج المجتمع العدني منذ مئات السنين، ولم نعرف عنهم سوى الأمانة وحسن المعاملة في التجارة، والعشرة الطيبة...ولم نرَ منهم ما يسؤنا طوال سنين مكوثهم في عدن ومجاورتهم لنا.


        كما أنني أذكّر أولئك بأن البهرة لم يؤذوا أحداً، ولم تكن لهم أية علاقة بالحوثة خلال فترة الحرب في كريتر أو غيرها، فهم دوماً بعيدون كل البعد عن السياسة وكذا عن الدعوة إلى مذهبهم بين الطوائف الأخرى.


وإذا كان الحق سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)، حيث نهانا أن نلحق الأدى بالكفار والمشركين الذين لم يقاتلونا أو يخرجونا، وأمرنا أن نبرهم ونقسط إليهم، فإن البهرة أولى بأن نبرهم ونقسط إليهم بل أن ندافع عنهم.



       لذلك عزيزي العدني والجنوبي أجد أنه ومن باب الأمانة أن أضع أمامك نبذة تاريخية مختصرة عن البهرة الإسماعيليين، في عدن وفي اليمن، وعن جذورهم، حتى تدرك من هم هؤلاء وأي تاريخ يمتلك أجدادهم في اليمن.
                   -------------



صفحات من تاريخ الإسماعيليين و
البهرة في عدن واليمن


           
     نبذة عن الإسماعيليين والبهرة:

       البهرة هم إحدى فرق الشيعة الإسماعيلية، أو (الشيعة السبعية)، والذين يؤمنون بسبعة أئمة، وهم خلاف الشيعة الإثني عشرية( الإمامية) التي تدين بالولاء لإيران.


ينقسم الإسماعيليون إلى سبع فرق رئيسية وهي:

١) الإسماعيلية القرامطة.
 ٢) الإسماعيلية الفاطمية.
٣) الإسماعيلية الحشاشون.
٤) إسماعيلية الشام.
٥) الإسماعيلية البهرة.
٦) الإسماعيلية الآغاخانية.
٧) الإسماعيلية الواقفة.

كما ينقسم البهرة أيضاً إلى فرقتين هما:
١) البهرة الداوودية: وهم في الهند وباكستان، منذ القرن العاشر الهجري، وينسبون إلى الداعي قطب شاه داوود.

٢) البهرة السليمانية: وهؤلاء مركزهم في اليمن، وينسبون إلى الداعي سليمان بن حسن.


      الإسماعيليون في اليمن:

      ظهر المذهب الإسماعيلي في اليمن - والذي تعد البهرة إحدى فرقه- قبل الزيدية بسنوات قليلة، في العام ٢٦٧هجرية، وكان ظهوره مقرونا بكثير من الحروب.

       لقد حكم الإسماعيليون اليمن فترات طويلة امتدت لأكثر من قرن من الزمان(١٠٦٢-١١٧٣) من خلال دولتين سادتا حينها وهما: الدولة الصليحية والدولة الزريعية.


       تعرض الإسماعيليون في تاريخهم لاضطهاد وتعسف أئمة المذهب الزيدي، الذين سفكوا دماءهم كغيرهم من اليمنيين وتسببوا بهجرتهم من اليمن مرتين إلى الهند التي مكثوا فيها السنين الطوال، واختلطوا هناك وتزاوجوا بالهنود، وهذا الأمر إن دل على شيء فإنما يدل على أن غالبية  البهرة في عدن واليمن هم من أصول عربية يمنية، هاجروا مكرهين تحت ضغط الظروف، وتزاوجوا في الهند، ثم عادوا إلى موطنهم الأصلي( اليمن).



                هجرات البهرة



الهجرة الأولى:

       في العام ١١٧٣ احتل بنو أيوب اليمن، بعدما قضوا على الفاطميين في مصر، فانقرضت بذلك دولة الإسماعيليين في اليمن، واستعرت حروب كثيرة بين الإسماعيليين والمذاهب الأخرى وخاصة المذهب الزيدي مما أدى إلى هجرة كثير من الإسماعيليين اليمنيين إلى الهند، وكانت هذه هي هجرتهم الأولى.(1)



الهجرة الثانية:

       في عهد الدولة الزيدية القاسمية وتحديداً أثناء حكم المنصور الحسين بن القاسم، سالت دماء اليمنيين غزيرة وذلك في حوالي العام ١٧١٢م، فتشتت الألوف وفقدوا دورهم وأرزاقهم واضطر عدد من اليمنيين وخاصة من أتباع المذهب الشيعي الإسماعيلي إلى الهجرة إلى الهند وغيرها.(2)


الهجرة الثالثة:

        إنها الهجرة التي تمثل وصمة عار في حق عدن في العصر الحديث، وهي التي تحدث أيامنا هذه، والتي جعلت البهرة يهجرون عدن مكرهين، للنجاة بأنفسهم، من أولئك اللصوص وقطاع الطرق الذين تجردوا من الإنسانية فقاموا بخطفهم وتهديدهم ومحاولة قتلهم بدوافع إجرامية لا تمتُّ بصلة إلى أخلاق سكان عدن المسالمين.




مناقب وأفضال الإسماعيليين في عدن


           النشوح ( القرابين):


       كان لأجداد البهرة الفضل في القضاء على واحدة من أسوأ الأعمال الشركية الوثنية في عدن؛ ألا وهي ظاهرة النشوح، أي تقديم القرابين من قبل الأهالي في جزيرة صيرة؛ حيث كان أهالي عدن في القرون الماضية يعتقدون بوجود الجن والعفاريت في تلك الجزيرة.
وحينما كان دخول السفن إلى ميناء صيرة صعباً بسبب الرياح الموسمية، كان الأهالي يأخذون سبعة ثيران إلى الجبل وقت غروب الشمس. وبعد منتصف الليل يذهبون ويختارون واحدا يربطونه هناك، ويعودون بستة ثيران، وقبيل انبثاق الفجر يذبحون الثور المربوط ويقذفون بلحمه إلى البحر.

كان الأهالي يعتقدون أن السفن تستطيع بعد ذلك أن تدخل الميناء بسلام، واستمرت تلك العادة حتى أبطلها بنو زريع، ملوك عدن الإسماعيليون، الذين اعتبروا ذلك العمل من أفعال الوثنيين التي لا يقرها الإسلام.(3)



                  تنظيم الضرائب:

عندما عين الداعي المعظم المكرم أحمد بن علي بن محمد الصلاحي( زوج الملكة أروى بنت أحمد) كلا من الأخوين العباس والمسعود ابني المكرم الجشمي اليامي الهمداني، نائبين له في عدن. قاما بالاستعانة بشخص يهودي يدعى: خلج المهوندي، لينظم لهما الضرائب، التي كانا يحصلان عليها من باب عدن وباب البحر.(4)


       إن لكل مواطن في دولته حرمة، و كما للمسلمين في أوطانهم حرمة كذلك  لغيرهم من أهل الكتاب والمذاهب الأخرى حرمة، ولا يجوز بحال الاعتداء عليهم أو إصابتهم بالضرر بدعوى أنهم مخالفين لنا في المذهب أو غيره...


       إن الظلم ظلمات يوم القيامة، وهو محرم، وإن الله يستجيب لدعوة المظلوم وإن كان كافراً...
لذا فإن السكوت عن الظلم الذي يلحق أبناء هذه الطائفة المسالمة في عدن ليس من الدين أو من المروءة، وإن عجزت الجهات المسؤولة أن تضطلع بدورها لحماية هؤلاء وكشف الجهات التي ترتكب مثل تلك الجرائم ضدهم ومعاقبتهم وردعهم بشكل سريع، فعلينا نحن أبناء عدن أن نؤازر إخواننا البهرة ونحميهم فهم منّا أولاً وأخيراً.



الهوامش:
1- حمزة لقمان: تاريخ عدن وجنوب الجزيرة العربية ص٥٦ .

2- حمزة لقمان: تاريخ عدن وجنوب الجزيرة العربية ص١٣٣.

3- حمزة لقمان: تاريخ عدن وجنوب الجزيرة العربية ص٢٤٩.

4-  حمزة لقمان: تاريخ عدن وجنوب الجزيرة العربية ٢٦٤.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق