الاثنين، 8 أغسطس 2022

في يوم القطط العالمي: الكلمة العدنية (بِسَّة)؛ هل هي عامِّيَّةٌ أَمْ فصيحةٌ؟! وحكاية عن قطة من تاريخ عدن

 في يوم القطط العالمي: الكلمة العدنية (بِسَّة)؛ هل هي عامِّيَّةٌ أَمْ فصيحةٌ؟! وحكاية عن قطة من تاريخ عدن



✍️ د. مجيد جميل ثابت


الإثنين 8/8/2022


حلَّتْ علينا في يومِنا هذا الثامنِ من أغسطس (8/8)، الذكرى العشرونَ ليومِ القططِ العالميِّ، والذي بدأَ الاحتفالُ بهِ لأوَّلِ مرَّةٍ في العامِ 2002 مِنْ قِبَلِ الصندوقِ الدوليِّ للعنايةِ بالحيوانِ.


ولا شكَّ أنَّ الكثيرينَ منّا قد مرّوا في حياتِهِم بتجرِبَةٍ أو تجارِبَ مع هذا الحيوانِ الأليفِ الذي إنْ أنتَ عشتَ بِقُرْبِه؛ فسيتغيّرُ الكثيرُ مما لديكَ من معلوماتٍ وانطباعاتٍ عن هذا الحيوانِ الجميلِ. 


وخلالَ مسيْرَةِ بحثي المعجميِّ اللُّغويِّ الطبيِّ؛ استوقفتني كثيرٌ مِنَ الْكلماتِ العَدَنِيَّةِ لمسمياتٍ عديدةٍ حولَنَا، وأدركتُ مدى ارتباطِ هذه الكلماتِ العدنيّةِ باللغةِ العربيةِ الفصحى، وعدمِ عامِّيَّتِها كما قدْ يظنُ البعضُ، ومِن ضمنِ تلكَ الكلماتِ: البِسَّة والبِس والعُرِّي. 


لقدْ أسعدني أنَّ باحثاً عدنياً تفخرُ عدنُ بمثلِهِ وهو: المحامي (أمين شمسان) قدْ تبحَّرَ وأسهبَ في هذا المجالِ، وألَّفَ للمكتبةِ العدنيةِ معجماً لُغَوياً عظيماً- اختصَّ بكلماتِ اللهجةِ العدنيةِ وتبيانِ أصولِها وإثباتِ أصلِها الفصيحِ- وهو أشبهُ بالموسوعةِ اللُّغويةِ والأدبيةِ المصغّرةِ، وأسماهُ (لسان عدن) تيمُّناً بأشهرِ المعاجمِ العربيةِ (لسان العرب) لمؤلِّفِهِ العلَّامةِ جمال الدين ابن منظور. وهذا المعجمُ العدنيُّ يستحقُ أن يقتنيه كلُّ عدنيٍّ في مكتبةِ بيتِهِ، لأنَّ غايتَهُ جَمْعُ ما أمكنَ مِنَ الكلماتِ العدنيةِ، وإثباتُ الارتباطِ الوثيقِ للكثيرِ من هذهِ الكلماتِ باللغةِ العربيةِ الفصيحةِ، وعَدَمُ عامِّيَّتِها؛ كما قدْ يظنُّ البعضُ. 


ومما جاءَ في معجمِ (لسان عدن) إنَّ (العُرِّي) هو الذَّكَرُ الضخمُ مِن القِططِ، لأنَّهُ شبيهٌ بالأسدِ، كونهما مِن فصيلةِ القططِ، لهذا سُمِّي بالعُرِّي، ولا يُقالُ للقِطَّةِ (عُرِّي)، والجمعُ (عَرَاري). 


كما ذَكَرَ لسانُ عدنَ: إنَّ (بَسْ) هي صَوتٌ للزَّجرِ والطردِ لا تُقالُ في عدنَ إلا للقططِ، وتكونُ مع مَدِّ حرفِ السّينِ. وتُقالُ (بَسْ) كذلكَ؛ بصوتٍ هادئٍ منخفضٍ أقربُ للهمسِ؛ لتسكينِ وتهدئةِ القطِّ عندَ دعوتِهِ أو للإمساكِ به فيقولُ: بِسْ بِسْ. 

لقد انتهى إلى هنا ما جاءَ في الجذرِ (بس) و (بسس) في هذا المعجمِ ما يتعلقُ بالحديثِ عَنِ الْقِطَطِ. 


وللأسفِ فقدْ فاتَ على معجمِ لسانِ عدنَ أن يبحثَ في أصلِ كلمَتَي البِسِّ والبِسَّةِ في هذا البابِ- وهما الكلمتانِ اللَّتانِ يتداولهما أبناءُ عدنَ للإشارةِ إلى ذَكَرِ وَ أنثى الحيوانِ المعروفِ بالقِطِّ- وإثباتِ أنهما كلمتانِ فصيحتانِ، ذَكَرَهما العديدُ من معاجمِ اللغةِ العربيةِ. 


وكما أشَرْتُ إنَّهُ مثلما يُطْلِقُ أبناءُ عدنَ على الحيوانِ المعروفِ بالقطِ أو الهِرِّ، اسْمَ (بِس وبِسَّة على الذكر والأنثى من ذلك الحيوان)، فتتعددُ وتختلفُ أسماءُ هذا الحيوانِ في مناطقِنا اليمنيةِ المختلفةِ شمالاً وجنوباً؛ فمنهم من يسميه: البَسَمَ، ومنهم من يسميه: الدِّمَّةَ، ومنهم من يسميه: العُسني... إلى آخرِهِ من المسمياتِ في كلِّ منطقةٍ أو  محافظةٍ، مايستدعي من أبناءِ تلكَ المناطقِ البحثَ عن أصولِ تلكَ الكلماتِ. 


لقدْ وجدتُ مِنْ خلالِ البحثِ في معاجمِ اللُّغةِ المختلفةِ: إنَّ كلمةَ (بِس) وَ (بِسَّة) التي نطلِقُها على القِطّةِ في عدنَ هي كلمةٌ عربيةٌ فصيحةٌ، أصلُها كلمةُ (البَس)، مفتوحةُ الباءِ، التي ذَكَرَتْها أغلبُ معاجمِ اللُّغةِ العربيةِ؛ والتي تعني الهِرَّةَ الأهليةَ، وقد  كُسِرتْ باؤها عِنْدَ أهلِ عدنَ كعادتِهم في تغييرِ حركاتِ بعضِ الكلماتِ الفصيحةِ، وهو كذلكَ ما وافقهم عليهِ بعضُ المعاجِمِ. 

وقد أكَّدَ هذا ابنُ عبّادٍ، والزَّمخشريُّ، والقاموسُ، والتَّاجُ، ومحيطُ المحيطِ، وأقربُ المواردِ، والوسيطُ، والَّذينَ ذكروها مفتوحةَ الباءِ، وإنَّها تعني: (القط الأهلي). 


ولقدْ جاءَ في: معجمِ (تاج العروس...) للمرتضى الزَّبيديِّ، و معجمِ (القاموس المحيط) للفيروزأباديِّ، ومعجمِ (محيط المحيط) لبطرس البستاني، وفي (متن اللغة) أيضاً: أنَّ العَامَّةَ تكسِرُ الباءَ وتقولُ: (بِس).


لقد تفرَّدَ أحمد رضا صاحبُ معجمِ (متن اللُّغة) وقال: إنَّها حجازيةٌ.


أمَّا معجمُ المُنْجِدِ فقد قالَ: إنَّ (البَِس) بِكَسْرِ الباءِ وفتحِها، هو حيوانُ السِّنَّوْرِ. والسِّنَّورُ هو الهِّرُّ كما تذكرُ المعاجمُ.


ومِثلُ المنجدِ، ذكرَ معجمُ الرائدِ إن البَِسَ بفتحِ وكسرِ الباءِ هوَ الهِرُّ.


ويُجْمَعُ البَسُّ على (بِسَاس). 

                          *******





الشيخ العدني جوهر وبِسَّتُه (سعادة) 




ومِنْ طرائفِ القططِ ومايرتبطُ منها بتاريخِ عدنَ؛ فأذكُرُ في هذهِ العُجالةِ حكايةً طريفةً ذكرَها ابنُ عدنَ المؤرخُ الفذُّ (حمزة لقمان) في إحدى كتبهِ التاريخيةِ الماتعةِ، عن شيخِ عَدَنَ (البهاء جوهر)، وقصتِه معَ بِسَّتِه (قطته) سعادة. 


والشيخُ جَوْهَرُ هو صاحبُ المسجدِ الذي عُرِفَ باسمِهِ في كريترَ، وهو المتوفي عام 1228م، و هو كما يقولُ المؤرخُ حمزة إبراهيم لقمان: قَدْ كانَ رقيقَ القلبِ، نبيلَ المشاعرِ، يُحِبُ الفقراءَ ويحنُو عليهِم، ويجالسُهم. وكانَ كريماً مبسوطَ اليَدِ للفقراءِ والمساكينِ وأبناءِ السبيلِ، يكادُ منزلُهُ لا يخلو مِنَ الضيوفِ مِنْ مختلفِ طبقاتِ الناسِ؛ فالكلُّ في نَظَرِهِ سواءُ. 


وكانت لدى الشيخِ جوهر بِسَّةٌ (قطة) اسمها (سعادة)، وكانَتْ جميلةَ المَنْظَرِ، ناعمةَ الملمسِ، شديدةَ العنايةِ بنظافتِها، وكانَتْ فخورةً بسيِّدِها وربيبِ نعمتِها الشيخِ جوهر، الّذي أحبها وحنا عليها، ودلَّلها وكأنَّها من أولادِهِ الأعزاءِ! وقَدْ كانَ ذكاءُ (سعادة) اللامعُ باعثاً على الدهشةِ. 


ومِنْ عجائبِ الأمورِ التي رُويتْ عَنِ الْقِطّةِ سعادةَ؛ أنها كانتْ تَقِفُ في (مَحلَّة الضيوف) المُلْحَقَةِ بمنزلِ جوهر، فإذا أقبلَ عددٌ من الضيوفِ؛ دخَلَتْ إلى المنزلِ وماءَتْ بَحَسَبِ عددِ الضيوفِ الّذينَ رأتْهُم، وهكذا يَعرِفُ أهلُ البيتَ عددَ الضيوفِ؛ فيهيئنَ أرغفةً مساويةً لعددِ الضيوفِ. 


وقد رُوي أنهُ في أحدِ الأيامِ وَصَلَ اثْنَا عَشَرَ (12) غريباً، ونظَرَتْ إليهم سعادةُ، وذهبتْ إلى المنزلِ وماءتَ عَشْرَ (10) مراتٍ فقطْ، فأدركَ أهلُ البيتِ إنَّ الضيوفَ عشرةٌ، وأرسَلْنَ معَ الخادمِ عشرةَ أرغفةٍ، أو مايكفي العَشَرَةَ، ولمّا وجدَ الخادمُ إنهم اثنا عشرَ، تعجّبَ من الخطأِ الذي وقعتْ فيه سعادةُ لأولِ مرةٍ، فخالفتْ عادَتَها، وعادَ إلى المنزلِ ليحْضِرَ طعاماً للضيفينِ المتبقيينِ، إلّا أنّ سعادةَ قفزتْ وحالتْ بينَهُ وبينهما!! وحاولَ الخادمُ أنْ يبعدَها، لكنّها صرختْ بوحشِيَّةٍ لم يعهدْها فيها، ومنعتهُ من الاقترابِ مِنَ الْغَريبَيْنِ!! 


وخشي الخادمُ غضبَ الشيخِ (جوهر)، فأسرعَ إليهِ يخبرُهُ بما جرى. وهزَّ الشيخُ رأسَهُ ونادى سعادةَ، فلمّا أقبلَتْ؛ نظَرَ إليها طويلاً وربَّتَ على شعرِها الأملسِ، ثُمَّ طلبَ الغريبَينِ، ولمّا قَدِمَا سألَهُما عَنْ حالِهِما، فصرَّحَا لهُ بأنَّهما مِن غَيْرِ المُسْلِمِينَ، وقدْ خَرَجَا من بلادِهما مُتْنَكِّرَينِ، ولَمْ ينكشفْ أمرُهُمَا إلَّا معَ القطةِ سعادة، وتحدَّثَ معهما الشيخُ طويلاً، ثمَ طَلَبَ منهما البقاءَ في ضيافتِهِ، وبعدَ أيامٍ أسْلَمَ الرَّجُلانِ على يَدِ الشيخِ، وحَسُنَتْ سيرتُهُما، وحُمِدَتْ طريقتُها بفضلِ اكتشافِ سعادة. 

وبقي الرجلانِ مع الشيخِ (جوهر) حتى توفاهما اللهُ إلى رحمتِه، فَدُفِنا في القبرينِ الملاصقَينِ للجدارِ القِبليِّ لمسجدِ جوهر بين التربةِ وقِبلةِ المسجدِ. 

انتهى. 




ولا شكَّ إنَّ للقططِ طرائفَ وحكاياتٍ كثيرةً لا يسعها المجالُ هنا. 


لقد أشارَ باحثونَ أمريكيونَ إلى أنَّ حُبَّ تربيةِ واقتناءِ قِطٍّ أو كلبٍ يعكسُ درجةَ الذكاءِ أيضا، وأنَّ محبي القططِ هم عادةً أكثرُ ذكاءً من محبي الكلاب!! بحسب موقع دوتشڤيلله الإخباري. 


ولاشكّ أنَّ هولاءِ الأذكياءَ من محبي القططِ سينتابهم الحزنُ عندما يعلمونَ أنَ الدراساتِ الأخيرةَ في العام ِ الماضي أثبتتْ أنَّ القططَ أكثرُ عرضةً لالتقاطِ فيروسِ كورونا مِنَ الكلابِ، وذلكَ بعدَ تحليلِ مصلِ الدمِ لِمَا مجموعِهِ 239 قطًا و510 كلباً أليفًا. حيثُ أظهرت النَّتائجُ أنَّ 8 في المائةِ من القططِ وأقلَّ من 1 في المائةِ مِنَ الكلابِ أصيبوا بفيروسِ كورونا، مما يشيرُ إلى أنَّ الفيروسَ يمكنُ أنْ ينتقلَ بينَ الحيواناتِ الأليفةِ، وإنَّ القططَ أكثرُ عرضةً للإصابةِ بهِ مِنَ الكلابِ.

الإثنين 8/8/2022





        

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق