الأحد، 2 ديسمبر 2018

               غاندي (مدرسةُ الفخرِ والتميُّزِ)






في رحلةِ البحثِ عنْ مَدْرَسَةٍ لأولادِهما؛ ينتابُ كلُّ أبٍ وأمٍّ خليطٌ من المشاعرِ تتوزعُ بينَ الرغبةِ في اختيارِ المدرَسةِ ذاتِ المواصفاتِ المناسبةِ؛ مِنْ حيثُ البنيةُ التحتيةُ، وجودةُ التعليمِ، والانضباطُ في العمليةِ التعليميةِ، ونوعيةُ المعلمينَ، ومدى كفاءتِهم، وكذا مستوى الرسومِ التي تفرضُها عليهم.


لقد كنتُ أحدَ أولئكَ النفرِ الذينَ خاضوا تلكَ المعمعةَ، قَبْلَ أكثرِ مِنْ خمسةَعَشَرَ عاماً؛ حيثُ قادني ذلكمُ البحثُ، لاختيارِ المَدْرَسَةِ المميزةِ ( مدرسةِ المهاتما غاندي الأهليةِ) لتكونَ خيرَ ملاذٍ لابنتَيَّ، واللتينِ تخرجتا منها في عامِنا هذا، والذي قَبْلِهِ.



ماالذي وجدتُهُ في مَدْرَسةِ غاندي؟


خلالَ (15) خمسةَ عشرَ عاماً دراسياً مِنْ مشوارِ ابنتيّ، في جنباتِ مدرسةِ المهاتما غاندي، وجدتُ أنَّ هذهِ المدرسةَ هي أفضلُ مايأمُلُهُ كلُّ أبٍ وأمٍّ لأولادِهما؛ فهي تضمُّ كادراً إدارياً متميزاً، ونخبةً من المعلمينَ، من ذوي الخبرةِ والكفاءةِ والتميُّزِ، لا يبخلونَ عن تقديمِ عصارةِ جهودِهم ومعرفتِهم لفلذاتِ أكبادِنا، ولا يتوانونَ عن غرسِ الأخلاقِ والقِيَمِ المجتمعيةِ الفاضلةِ؛ النابعةِ من تعاليمِ دينِنَا الحنيفِ، ومن المفاهيمِ الإنسانيةِ الساميةِ.
ولقد كانَ ذلكَ الكادرُ يضمُ خيرةَ المعلمينَ الذينَ يتمُّ استعارتُهم من دولةِ الهندِ، إضافةً إلى كادرٍ يمنيٍ متميزٍ، وكذا بعضَ المعلمينَ من جنسياتٍ أخرى، وكلهم من ذوي الكفاءةِ العاليةِ.


وبسببِ هذا الكادرِ من الأجانبِ؛ فقد علمْتُ أنَّ هذهِ المدرسةَ تنفقُ جُلَّ إيراداتها- التي تجنيها من الرسومِ- في تغطيةِ رواتبِ هؤلاء المعلمينَ، ومتطلباتِهم، وهي متميزةٌ في هذا الجانبِ، وكذا بما تدفعُهُ من أجورٍ للمعلمين، والعاملينَ فيها. رغمَ أنَّ هذهِ المدْرَسةَ تفرِضُ رسوماً تعتبرُ مناسبةً جداً مقارنةً بما تفرضُهُ المثيلاتُ مِنْ المدارسِ الأهليةِ الأخرى: أكانَ ذلكَ في محافظةِ عدنَ، أو غيِرِها مِن المحافظاتِ.


والكادرُ الهنديُ الموجودُ في المَدْرَسةِ ( والمتميزُ على الدوامِ) هو بالطبعِ لتغطِيةِ الموادِ العلميةِ، التي يتمُ اختيارُ مناهجِها وفقاً لأحدثِ المناهجِ المعتمدةِ من أكسفورد أو كامبريدچ، والتي يتمُ تدريسُها في المدارسِ البريطانيةِ؛ ووفقاً لها يستطيعُ الطلبةُ أنْ يحصلُوا على شهاداتِ ال IGCSE، أثناءَ دراستهم للثانويةِ، وهي الشهادةُ التي تمنحهم الأفضليةَ للانضمامِ للجامعاتِ البريطانيةِ والعالميةِ.


ومما تمتازُ بهِ مدرسةُ غاندي- وبتفردٍ- هو مختبرُها العلميُّ المميزُ، الذي لا تجدُ له نظيراً في أيِّ مدرسةٍ أخرى- كما أكدَ على ذلك أحدُ مدراءِ المدارسِ الأهليةِ الخاصةِ- وهو الأمرُ الذي يرتقي بالقدراتِ والمخرجاتِ العلميِة والإبداعيةِ للطلبةِ في هذهِ المدرسةِ.


وكعادةِ هذهِ المدْرَسةِ في احترامِ المواعيدِ الأكاديميةِ- وبرغمِ ما طرأَ ويطرأُ من اختلالاتٍ يوميةٍ، خلالَ السنواتِ الأربعِ الأخيرةِ- فهي تحرصُ على بدءِ العامِ الدراسيِّ في موعدِهِ، وتحرصُ كذلكَ على إنجازِ المناهجِ المقررةِ، خلالَ أيامِ العامِ الدراسيِّ، دونَ إهمالٍ أو تسويفٍ.


ولقدْ علمتُ أنَّ هذهِ المدرسةَ تكادُ تكونُ مؤسسةً غيرَ ربحيَّةٍ؛ حيثُ كانَ- وَقَبْلَ الحربِ-  ماتجنيهُ مِنْ رسومٍ من الطلبةِ، لا يكفي للوفاءِ بميزانيتِها التشغيلِيةِ، (والتي يراها البعضُ مرتفعةً)، ولابدَّ أنَّ هذا الأمرَ قد تعاظمَ خلالَ سنينِ الحربِ الأخيرةِ، وإنه وبدونِ الدعمِ السخيِّ والاهتمامِ الفائقِ مِنْ قِبَلِ الأستاذِ (رشاد هائل)، ومؤسسةِ بيت هائل؛ لما صمدَتْ المدرسةُ وأوفتْ بالتزاماتِها.


وأمرٌ آخرُ لفتَ انتباهي خلالَ الأعوامِ الأخيرةِ؛ ألا وهو طريقةُ الدَّفْعِ التي انتهجتها إدارةُ المدرسةِ، تيسيراً لأولياءِ الأمورِ الذينَ صار تقلُّبُ وزيادةُ سعرِ الدولارِ أمراً يقلقهم، فعَمَدَتْ الإدارةُ مشكورةً إلى تقسيمِ الرسومِ إلى قسمينِ: قسمٌ بالدولار، وآخرُ بالريالِ اليمنيِّ، والذي حُدِّدَ له سعرُ صرفٍ مناسبٍ جداً لأولياءِ الأمورِ، وهو صنيعٌ تُحْمَدُ عليهِ الإدارةُ، وأتمنى أنْ يستمرَّ، تقديراً للظروفِ الصعبةِ التي تواجهُ غالبيةَ الأُسَرِ في عدنَ.


و بعد تحريرِ مدينتِنا عدن، فقد لا حظنا أنَّ الإدارةَ حرصتْ على عودةِ عددٍ لابأسَ بهِ من المعلمينَ الهنودِ، الذين اضطروا لمغادرةِ عدنَ خلالَ الحربِ، كما أنها تسعى لجلبِ المزيدِ منهم، برغمِ أن الكثيرينَ من أولئكَ المعلمينَ يتخوفون من الأوضاعِ في محافظتنا، ويأخذونَ مأخذَ الجِدِّ تحذيرَ الخارجيةِ الهنديةِ لهم؛ بعدمِ ضمانِ أمنِهِم في اليمنِ!!


كانَ هناكَ عددٌ من الفعالياتِ الأسبوعيةِ والسنويةِ، تعذَّرَ أثناءَ سنينِ الحربِ الحاليِة العودةُ لممارسةِ بعضِهَا مثل: ال annual day، والsport day، وال Mole day وغيرها، وهي من أروعِ الفعالياتِ التي كانت تعطي نكهةً خاصةً ومميزةً لهذِهِ المدرسةِ؛ حيثُ كُنَّا نشاهدُ العديدَ من الإبداعاتِ والأعمالِ الشيقةِ للطلبةِ والمعلمينَ. وكَمْ  نأمُلُ أنْ يتمَّ استئنافُ تلك الفعالياتِ.
وبرغمِ ذلكَ فقد استطاعتْ إدارةُ المدرسةِ أنْ تحافظَ على كثيرٍ من الأنشطةِ غيرِها؛ مثلِ المعرضِ السنويِّ، والرحلةِ السنويةِ لمختلفِ السنواتِ. كما قامَتْ الإدارةُ مؤخراً  بتكريمِ أوائلِ الطلبةِ، في مختلفِ السنينِ، وتقديمِ الهدايا الجميلةِ لهم، كإجراءٍ تحفيزيٍّ، تُشكَرُ عليهِ.


ولعلَّ العراقيلَ والمنغصاتِ والإرباكاتِ في ظرفِنا الحاليِّ كثيرةٌ، لذا فإدارةُ المدرسةِ مطالبةٌ ببذلِ المزيدِ من الجهودِ حتى يتمَّ مواصلةُ المسيرةِ التعليميةِ والتربويةِ بأفضلِ مستوىً؛ كما عهدنا من هذهِ المدرسةِ.


أتمنى- ومن أعماقِ قلبي- أنْ تستمرَ المسيرةُ الناجحةُ لهذهِ المدْرَسةِ العريقةِ والمتميزةِ، بقيادةِ مديرِها القديرِ ذي الأخلاقِ العاليةِ، السيد چيمي (Jimmy)، والمعلمةِ القديرةِ الستِ (شهيرة)، وكذلكِ إشرافِ الخبرةِ الإداريةِ  للمهندسةِ الرصينةِ والقديرةِ الست (تحسين)، وبقيَّةِ الطاقمِ الإداريِّ والتعليميِّ، والدعمِ السخيِّ والاهتمامِ الكبيرِ للأستاذِ (رشاد هائل). 



كتبه: د/ مجيد جميل ثابت
عدن
2/ديسمبر/ 2018

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق